
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الشواهد شُهودهم (1) فيكونَ إدراكهم بالاستدلال، بل مشهودهم حاضرٌ لهم لم يدركوه بغيره، فلا يخالط مشاهدتَهم له شواهدُ من غيره. والشواهد مثل الأمارات والعلامات.
وهذا الكلام يحتاج إلى (2) بيانٍ وتفصيلٍ:
فإنَّ الله سبحانه أقام الشواهد عليه، وملأ بها كتابه، ودعا عباده إلى النظر فيها والاستدلال بها، ولكنَّ العارف إذا حصل له منها الدلالة، ووصل منها إلى اليقين انطوى حكمُها في شهوده، وسافر قلبه منها إلى المطلوب المدلول عليه بها، ورآها كلَّها أثرًا من آثار أسمائه (3) وصفاته وأفعاله، فعاين المشهود المدلول عليه بها معاينةَ القلب والبصيرة للصانع إذا عاين صُنعَه، فكأنَّه يرى الباني وهو يبني ما يشاهده (4) من البناء المحكم المتقن؛ لا أن الشواهد والأدلَّة تَبطُل ويَبطُل حكمُها.
فتأمّل هذا الموضع، فإنَّه غلط فيه فريقان: فريقٌ أساؤوا الظنَّ بمن طوى حكم الشواهد والأدلَّة، ونسبوهم إلى ما نسبوهم إليه. وفريقٌ رأوا أنَّ الشواهد نفس المشهود، والدليل عين المدلول عليه، ولكن كان في الابتداء شاهدًا ودليلًا، وفي الانتهاء مشهودًا (5) ومدلولًا.