{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المنظر البهيِّ، ورؤية الصُّور المستحسنات، وسماع الآلات المطربات. نعم، هذا ميدانٌ بسَطَه الشيطان يقتطع به النفوس عن الميدان الذي نصبه الرحمن، فميدان الرحمن الذي بسطه لأنبيائه وأوليائه هو ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه وأهله ومع الغريب والقريب مِن: سعة الصدر، ودوام البشر، وحسن الخلق، والسلام على من لقيه، والوقوف مع من استوقفه، والمزح بالحقِّ مع الصغير والكبير أحيانًا، وإجابة الدعوة، ولين الجانب حتَّى يظنَّ كلُّ واحدٍ من أصحابه أنَّه أحبُّهم إليه. وهذا الميدان لا تجد فيه إلَّا واجبًا، أو مستحبًّا، أو مباحًا يُعين عليهما. قوله (1): (فطائفةٌ بسطت رحمةً للخلق، يباسطونهم ويلابسونهم فيستضيئون بنورهم؛ والحقائق مجموعة، والسَّرائر مصونة). أي: جعل الله سبحانه انبساطهم مع الخلق رحمةً لهم، كما قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]
، فالرّبُّ سبحانه بسط هؤلاء مع خلقه ليقتدي بهم السالك، ويهتدي بهم الحيران، ويُشفى بهم العليل، ويُستضاء بنور هدايتهم ونصحهم ومعرفتهم في ظلمات دياجي الطَّبع والهوى، فالسالكون يقتدون بهديهم إذا سكتوا، وينتفعون بكلماتهم إذا نطقوا (2)، فإنَّ حركاتِهم وسكونَهم ونُطقهم وسكوتهم لمَّا كانت بالله ولله وعلى أمر الله= جذبت قلوب الصادقين إليهم. وهذا النُّور الذي أضاء على الناس منهم هو نور العلم والمعرفة.