مدارج السالكين ج4

مدارج السالكين ج4

3560 0

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس -  نبيل بن نصار السندي -  محمد أجمل الإصلاحي

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 556

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

اجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

فإنّ المحبّ يشرع أوّلًا في التّقرُّبات بالأعمال الظّاهرة، وهي ظاهر التّقرُّب. ثمّ يترقّى من ذلك إلى حال التّقرُّب، وهو الانجذاب إلى حبيبه بكلِّيّته، بروحه وقلبه، وعقله وبدنه. ثمّ يترقّى من ذلك (1) إلى مقام الإحسان، فيعبد الله كأنّه يراه، فيتقرّب إليه حينئذٍ بأعمال القلوب؛ من المحبّة والإنابة والتّعظيم والإجلال والخشية، فينبعث حينئذٍ من باطنه الجودُ ببذل الرُّوحِ والموجودِ في محبّة حبيبه بلا تكلُّفٍ، فيجود بروحه ونفسِه وأنفاسِه وإراداته وأعمالِه لحبيبه حالًا لا تكلُّفًا. فإذا وجد المحبُّ ذلك فقد ظفِرَ بحال التّقرُّب وسرِّه وباطنه، وإن لم يجده فهو يتقرّب بلسانه وبدنه وظاهره فقط، فليدُمْ على ذلك، وليتكلّف التّقرُّب بالأذكار والأعمال على الدّوام، فعساه أن يَحظَى بحال التقرب.

ووراء هذا التقرب الباطن أمرٌ آخر أيضًا، وهو شيءٌ لا يُعبَّر عنه بأحسنَ من عبارة أقربِ الخلق عن هذا المعنى، حيث يقول حاكيًا عن ربِّه تبارك وتعالى:

«من تقرَّبَ منِّي شِبْرًا تقرّبتُ منه ذراعًا، ومن تقرَّبَ منِّي ذراعًا تقرّبتُ منه باعًا، ومن أتاني يَمشي أتيتُه هَرولةً» (2)

، فيجد هذا المحبُّ في باطنه ذوقَ معنى هذا الحديث ذوقًا حقيقيًّا.

فذكر من مراتب القرب ثلاثةً، ونبّه بها على ما دونها وما فوقها. فذكر تقرُّب العبد إليه بالسَّير شِبرًا (3)، وتقرُّبه سبحانه إلى العبد ذراعًا، فإذا ذاق العبد حقيقة هذا التّقرُّب انتقل منه إلى تقرُّب الذِّراع، فيجد ذوق تقرُّب الرّبِّ

الصفحة

179/ 556

مرحبًا بك !
مرحبا بك !