
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والشّوقِ إليه.
فإذا صدقَ في ذلك رُزِقَ محبّةَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واستولتْ روحانيَّته على قلبه، فجعله إمامَه، وأستاذه ومُعلِّمَه، وشيخَه وقدوتَه، كما جعله الله نبيَّه ورسولَه وهادِيَه (1)، فيطالع سيرته ومبادئ أموره، وكيفيّة نزول الوحي عليه، ويعرف صفاتِه وأخلاقَه، وآدابَه في حركاته وسكونه، ويقظتِه ومنامه، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، حتّى يصير كأنّه معه من بعض أصحابه.
فإذا رسخ قلبه في ذلك فُتِح عليه بفهم (2) الوحي المنزّل عليه من ربِّه، بحيث إذا قرأ السُّورة شاهد قلبُه ماذا أُنزِلت فيه، وماذا أُريد بها، وحظّه المختصّ به منها من الصِّفات والأخلاق والأفعال المذمومة، فيجتهد في التّخلُّص منها كما يجتهد في الشِّفاء من المرض المَخُوف، ومن الصِّفات (3) والأفعال الممدوحة، فيجتهد في تكميلها وإتمامها.
فإذا تمكَّن من ذلك انفتحَ في قلبه عينٌ أخرى، يشاهد بها صفات الرّبِّ جلّ جلاله، حتّى تصير لقلبه بمنزلة المرئيِّ لعينه، فيشهد علوَّ الرّبِّ سبحانه فوقَ خلقه، واستواءه على عرشه، ونزولَ الأمر من عنده بتدبير مملكته، وتكلُّمه بالوحي، وتكليمه لعبده جبريل به (4)، وإرسالَه إلى من يشاء بما يشاء، وصعودَ الأمور إليه، وعرضَها عليه.