مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فيها نعتٌ، لا تدلُّ على كمالٍ ولا جلالٍ، ولا يُحصِّل (1) شهودُها إيمانًا، فضلًا عن أن يكون من أعلى مقامات العارفين. ويا سبحان الله! أين (2) شهودُ صفات الكمال وتنوُّعها وكثرتها، وما تدلُّ عليه من عظمة الموصوف بها وجلاله وكماله، وأنّه ليس كمثله شيءٌ في كماله؛ لكثرة أوصافه ونعوته وأسمائه، وامتناع أضدادها عليه، وثبوتها له على أكمل الوجوه الذي لا نقص فيه بوجهٍ ما= من شهودِ ذاتٍ قد غاب شاهدها عن كلِّ صفةٍ ونعتٍ واسمٍ؟! فبين هذين المشهدين من التّفاوت ما لا يُحصيه إلّا الله، وهذا هو مشهد من تألَّه وفني من الجهميّة والمعطِّلة، صَرَّحوا بذلك وقالوا: كمال هذا المشهد هو قَصْر النّظر على عين الذّات، وتنزيهها عن الأعراض والأبعاض والأغراض والحدود والجهات. ومرادهم بالأعراض: الصِّفات التي تقوم بالحيِّ، كالسّمع والبصر والقدرة والإرادة والكلام، فلا سمع له، ولا بصر، ولا إرادة، ولا حياة، ولا علم، ولا قدرة. ومرادهم بالأبعاض: أنّه لا وجه له ولا يدان، ولم يخلق آدم بيده، ولا يقبض (3) سماواته بيده، ولا يطوي الأرض باليد الأخرى، ولا يمسك السّماوات على إصبعٍ ولا الأرضين على إصبعٍ ولا الشّجر على إصبعٍ،