
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ففقد هِمْيانًا (1) فيه ألف دينارٍ، فقام فَزِعًا، فوجد جعفر بن محمّدٍ - رضي الله عنهما -، فعلقَ به وقال: أخذتَ هِمْياني. فقال: أيشٍ كان فيه؟ فقال: ألف دينارٍ. فأدخلَه دارَه ووزنَ له ألف دينارٍ. ثمّ إنّ الرّجل وجدَ هِميانه، فجاء إلى جعفرٍ - رضي الله عنه - معتذرًا بالمال، فأبى أن يقبله منه، وقال: شيءٌ أخرجتُه من يدي لا أسترِدُّه أبدًا. فقال الرّجل للنّاس: مَن هذا؟ فقالوا: هذا (2) جعفر بن محمّدٍ - رضي الله عنهما - (3).
فصل
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (4): (نكتة الفتوّة: أن لا تشهد لك فضلًا، ولا ترى لك حقًّا).
يقول: قلبُ الفتوّة وإنسانُ عينها: أن تفنى بشهادة نقصِك وعيبِك عن فضلك، وتغيبَ بشهادة حقوق الخلق عليك عن شهادة حقوقك عليهم.
وللناس (5) في هذا مراتب، فأشرفها: أهل هذه المرتبة، وأخسُّها: عكسهم، وهم أهل الفناء في شهود فضائلهم عن عيوبهم، وبشهودِ حقوقهم على النّاس عن حقوق النّاس عليهم. وأوسطهم: من شهد هذا وهذا، فيشهد ما فيه من العيب والكمال، ويشهد حقوق النّاس عليه وحقوقه عليهم.