مدارج السالكين ج3

مدارج السالكين ج3

11243 0

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد عزير شمس 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 584 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

وأمّا نزوله عن رؤية حقِّه في الصُّحبة، أن (1) لا يرى لنفسه حقًّا على الله لأجل عمله؛ فإنّ صحبته مع الله بالعبوديّة والفقر المحض والذُّلِّ والانكسار، فمتى رأى لنفسه عليه حقًّا فسدت الصُّحبة، وصارت معلولةً، وخِيفَ منها المقْتُ. ولا ينافي هذا ما أحقَّه سبحانه على نفسه من إثابة عابديه وإكرامهم، فإنّ ذلك حقٌّ أحقَّه على نفسه بمحض كرمه وبرِّه وجوده وإحسانه، لا باستحقاقِ العبيد وأنّهم أوجبوه عليه بأعمالهم.

فعليك بالفرقان في هذا الموضع الذي هو مَفرقُ طرقٍ، والنّاس فيه ثلاث فرقٍ:

فرقةٌ رأت أنّ العبد أقلُّ وأعجز من أن يوجب على ربِّه حقًّا، فقالت: لا يجب على الله شيءٌ البتّةَ، وأنكرت وجوب ما أوجبه على نفسه.

وفرقةٌ رأت أنّه سبحانه أوجب على نفسه أمورًا لعبده، فظنّت أنّ العبد أوجبها عليه بأعماله، وأنّ أعماله كانت سببًا لهذا الإيجاب. والفرقتان غالطتان.

والفرقة الثّالثة: أهل الهدى والصّواب، قالت: لا يستوجب العبد على الله بسعيه نجاةً ولا فلاحًا، ولا يُدخِل أحدًا عملُه الجنّةَ أبدًا، ولا يُنجِيه من النّار. والله سبحانه وتعالى ــ بفضله وكرمه، ومحضِ جُوده وإحسانه ــ أكَّد إحسانه وجُودَه وبرّه بأن أوجب لعبده عليه حقًّا بمقتضى الوعد، فإنّ وعد الكريم إيجابٌ، ولو بعسى ولعلّ. ولهذا قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: عسى من الله واجبٌ (2). ووعدُ اللّئيم خلْفٌ، ولو اقترن به العهد والحلف.

الصفحة

83/ 584

مرحباً بك !
مرحبا بك !