
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة التّواضع. قال الله تعالى: {الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا} [الفرقان: 63]، أي سكينةً ووقارًا، متواضعين، غير أشِرِين، ولا مَرِحين، ولا متكبِّرين. قال الحسن - رضي الله عنه -: علماء حلماء (1). وقال محمّد بن الحنفيّة - رضي الله عنه -: أصحاب وقارٍ وعفّةٍ لا يَسفَهون، وإن سُفِه عليهم حَلُموا (2).
والهَوْن بالفتح في اللُّغة: الرِّفق واللِّين، والهُوْن بالضّمِّ: الهَوان. فالمفتوح صفة أهل الإيمان، والمضموم صفة أهل الكفران، وجزاؤهم من الله.
وقال تعالى: {(53) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى} [المائدة: 54].
لمّا كان الذُّلُّ منهم ذلَّ رحمةٍ وعَطْفٍ وشَفَقةٍ وإخباتٍ= عدّاه بأداة «على» تضمينًا لمعاني هذه الأفعال، فإنّه لم يردْ به ذُلّ الهَوان الذي صاحبه ذليلٌ، وإنّما هو ذلُّ اللِّين والانقياد الذي صاحبه ذَلولٌ. فالمؤمن ذلولٌ، كما في الحديث: «المؤمن كالجمل الذَّلول» (3)، والمنافق والفاسق ذليلٌ. وأربعةٌ