
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الأخرويّة أيضًا، إذ يُرشِدهم ذلك إلى القبول منه وتلقِّي ما يأمرهم به وينهاهم عنه أحسنَ التّلقِّي. هذه طِباع النّاس.
فصل
قال (1): (الدّرجة الثّانية: تحسين خُلُقك مع الحقِّ. وتحسينُه منك: أن تَعلم أنّ كلّ ما يأتي منك يُوجِب عذرًا، وأنّ كلّ ما يأتي من الحقِّ يوجب شكرًا، وأن لا تَرى له من الوفاء بدًّا).
هذه الدّرجة مبنيّةٌ على قاعدتين.
إحداهما: أن تعلم أنّك ناقصٌ، وكلُّ ما يأتي من النّاقص ناقصٌ، فهو يوجب اعتذاره منه لا محالة. فعلى العبد أن يعتذر إلى ربِّه من كلِّ ما يأتي به من خيرٍ أو شرٍّ، أمّا الشّرُّ فظاهرٌ، وأمّا الخير فيعتذر من نقصانه، ولا يراه صالحًا لربِّه.
فهو مع إحسانه معتذرٌ في إحسانه، ولذلك مدح الله أولياءه بالوجَل منه مع إحسانهم بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، وقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هو الرّجل يصوم ويتصدّق، ويخاف أن لا يُقبلَ منه» (2). فإذا خاف فهو بالاعتذار أولى.
والحامل له على هذا الاعتذار أمران: