{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موجودٌ على الحقيقة إلّا الله» أو «هناك يفنى من لم يكن, ويبقى من لم يزل» ونحو ذلك من العبارات، فهذا مرادهم. لا سيّما إذا حصل هذا الاستغراق في الشُّهود كما هو في الوجود, وغلب سلطان الحال على سلطان العلم, وكان القلب (1) مغمورًا بوارده، وفي قوّة التّمييز ضعفٌ, وقد تَوارى العلم بالشُّهود وحكم الحال. فهناك يثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثّابت (2) , وتَزِلُّ أقدامٌ كثيرةٌ إلى الحضيض الأدنى. ولا ريبَ أنّ وجود الحقِّ سبحانه ودوامه يستغرق وجودَ كلِّ ما سواه ووقته وزمانه (3) , بحيث يصير كأنّه لا وجودَ له.
ومن هنا غلِطَ القائلون بوحدة الوجود, وظنُّوا أنّه ليس لغيره وجودٌ البتّةَ, وغَرَّتْهم (4) كلماتٌ مشتبهة (5) جرَتْ على ألسنة (6) أهل الاستقامة من الطّائفة, فجعلوها عمدةً لكفرهم وضلالهم, فظنُّوا أنّ السّالكين سيرجعون إليهم، وتصير طريقة النّاس واحدةً,
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
قوله: (وهذا المعنى يسبق على هذا الاسم عندي)، يريد أنّ «الحقّ» سابقٌ على هذا الاسم الذي هو «الوقت»، أي هو منزَّهٌ عن أن يسمّى بالوقت، فلا ينبغي إطلاقه عليه، لأنّ الأوقات حادثةٌ.