{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي} [القصص: 29].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ما في النّهار ولا في اللّيلِ لي فَرَجٌ ... فلا أبالي أطالَ اللّيلُ أم قَصُرَا (1)
ثمّ قال: ليس عند ربِّكم ليلٌ ولا نهارٌ.
يشير إلى أنّه غير متطلِّعٍ إلى الأوقات، بل هو مع الذي يُقدِّر اللّيل والنّهار.
فصل
قال صاحب «المنازل» (2): (الوقت: اسمٌ في هذا الباب لثلاث معانٍ. المعنى الأوّل: حِينُ وجدٍ صادقٍ). أي وقتُ وجدٍ صادقٍ، أي زمنُ وجدٍ يقوم بقلبه، وهو صادقٌ فيه (3)، غير متكلِّفٍ له، ولا متعمِّلٍ في تحصيله.
يكون متعلّقه (إيناسُ ضياءِ فضلٍ) أي رؤية ذلك، والإيناس الرُّؤية. قال تعالى:
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي} [القصص: 29].
وليس هو مجرّد الرُّؤية، بل رؤية ما يأنَسُ به القلب ويسكُن إليه. ولا يقال لمن رأى عدوّه أو مخوفًا: آنسَه.
ومقصوده: أنّ هذا الوقت وقتُ وجدٍ، صاحبه صادقٌ فيه لرؤية ضياءِ فضلِ الله ومنِّه عليه. والفضل هو العطاء الذي لا يستحقُّه المعطى، أو يُعطى فوق استحقاقه، فإذا آنسَ هذا الفضل وطالَعه بقلبه أثارَ ذلك فيه وجدًا آخر،