
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فالطّالب الجادُّ لا بدّ أن تَعرِض له فترةٌ، فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقتَ الطّلب والاجتهاد.
ولمّا فَتر الوحيُ عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو إلى شَواهقِ الجبال ليُلقِي نفسَه، فيتبدَّى له جبريل فيقول له: إنّك رسول الله. فيسكُن لذلك جَأْشُه، وتطمئنُّ نفسه (1).
فتخلُّلُ الفترات للسّالكين أمرٌ لازمٌ لا بدَّ منه. فمن كانت فترتُه إلى مقاربةٍ وتسديدٍ، ولم تُخرِجه من فرضٍ، ولم تُدخِله في محرّمٍ= رُجِيَ له أن يعود خيرًا ممّا كان.
قال عمر بن الخطّاب: إنّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلتْ فخذوها بالنّوافل، وإذا (2) أدبرتْ فأَلزِموها الفرائضَ (3).
وفي هذه الفترات والغُيوم والحُجُب التي تَعرِض للسّالكين من الحِكم ما لا يعلم تفصيله إلّا الله، وبها يتبيّن الصّادق من الكاذب.
فالكاذب ينقلب على عقبيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه.