
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قوله: (فيُنشِئ سحابَ السُّرور)، أي ينشئ للعبد سرورًا خاصًّا وفرحًا بربِّه لا عهدَ له بمثله، ولا نظيرَ له في الدُّنيا، ونفحةً من نعيم الجنّة، ونسمةً من ريح شمالهم. فإذا نشأ له ذلك السّحاب أمطر عليه طيب الطَّرب، فطرِبَ باطنُه وسِرُّه لما ورد عليه من عند سيِّده ووليِّه. وإذا اشتدَّ ذلك الطّرب جرى به نهر الافتخار، بتميُّزِه عن أبناء جنسه بما خصَّه الله به. فإمّا أن يريد به: افتخاره على الشّيطان، وهَزَّه عِطْفَه طربًا وافتخارًا عليه، فإنّ الله لا يكره ذلك. ولهذا يُحبُّ المختالَ بين الصّفّين عند الحرب، لما في ذلك من مراغمة أعدائه، ويُحبُّ الخيلاء عند الصّدقة ــ كما جاء ذلك مُصرَّحًا به في الحديث (1) ــ لسِرٍّ عجيبٍ، يعرفه أولو الصّدقات والبذل من نفوسهم عند ارتياحهم للعطاء، وابتهاجِهم به، واختيالهم على النّفس الشّحيحة الأمّارة بالبخل، وعلى الشّيطان المزيِّن لها ذلك (2). فهذا الافتخار من تمام العبوديّة.