
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أحدها: نظره إلى جلالة مُعطيه وعظمته. الثّاني: احتقاره لنفسه وازدراؤه لها، يُوجِب استكثارَ ما يناله من سيِّده. الثّالث: محبّته له، فإنّ المحبّة إذا تمكَّنتْ من العبد استكثر قليلَ ما يناله من محبوبه. الرّابع: أنّ هذا قبلَ العطاء لم يكن له إلْفٌ به، ولا اتِّصالٌ بالعطيّة، فلمّا فاجأتْه استكثرَها. وأمّا استقلالُه الكثير (1) من الإعياء ــ وهو التَّعب والنَّصَب ــ فلأنّه لمّا بدا له برقُ الوعود من أفق الرّجاء حملَه ذلك على الجدِّ والطّلب، وحملَ عنه مشقّة السّير. فلم يجد لذلك من مَسِّ الإعياء والنَّصَب ما يجده مَن لم يَشمَّ ذلك. وكذلك استحلاؤه في هذا البرق مرارةَ القضاء، وهو البلاء الذي يختبر به الله عزّ وجلّ عباده، ليبلوهم أيُّهم أصبرُ وأصدقُ، وأعظمُ إيمانًا ومحبّةً وتوكُّلًا وإنابةً؟ وإذا لاح للسّالك هذا البرقُ استحلى فيه مرارةَ القضاء. فصل قال (2): (الدّرجة الثّانية: برقٌ يَلمعُ من جانب الوعيد في عين الحَذَر، فيستقصر فيه العبدُ الطّويلَ من الأمل، ويُزَهَّدُ في الخَلْق على القرب، ويَرغَب في تطهير السِّرِّ).