
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قلت: يُمكِن أن يقع كسبيًّا بالتّخلُّق والتّكلُّف، حتّى يصيرَ له سَجِيّةً ومَلَكةً، وقد قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأشجِّ عبد القيس: «إن فيك لخُلُقَينِ يحبُّهما الله: الحلم والأناة». فقال: أخُلقينِ تخلّقتُ بهما أم جَبلنَي الله عليهما؟ فقال: «بل جَبَلَك الله (1) عليهما». فقال: الحمد لله الذي جَبَلَني على خُلقينِ يُحِبُّهما الله ورسوله (2). فدلّ على أنّ من الخلق ما هو طبيعةٌ وجِبِلَّةٌ، وما هو مكتسَبٌ.
وكان النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعاء الاستفتاح: «اللهمّ اهْدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلّا أنت، واصرِفْ عنِّي سيِّئ الأخلاق، لا يَصرِف عنِّي سيِّئها إلّا أنت» (3). فذكر الكسب والقَدَر.
فصل
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (4): (الخُلُق: ما يرجع إليه المتكلِّفُ من نَعْتِه).
أي: خُلُق كلِّ متكلِّفٍ فهو ما اشتملتْ عليه نعوتُه، فتكلُّفه يردُّه إلى