
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والبغض فيه، كما جعله النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثمرةَ كونِ الله ورسوله أحبَّ إلى العبد ممّا سواهما، وثمرةَ الحبِّ فيه وكراهةِ عوده في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النّار. فهذا الوجد ثمرة هذه الأعمال القلبيّة، التي هي الحبُّ والبغض لله وفي الله.
المرتبة الرّابعة: الوجود، وهي أعلى ذروة مقام الإحسان، فمن مقام الإحسان يرقى إليه. فإنّه إذا غلبَ على قلبه مشاهدةُ معبوده حتّى كأنّه يراه، وتمكَّن في ذلك= صار له ملكةً أخْمَدتْ (1) أحكامَ نفسه، وتَبدَّل بها أحكامًا أُخَر وطبيعةً ثانيةً، حتّى كأنّه أُنشِئ نشأةً أخرى غير نشأته الأولى، ووُلِد وِلادًا جديدًا.
وممّا يُذكر عن المسيح عليه السّلام أنّه قال: يا بني إسرائيل، لن تَلِجُوا ملكوتَ السّماء حتّى تُولَدوا مرّتين (2).
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذكر ذلك، ويُفسِّره (3) بأنّ الولادة نوعان، أحدهما: هذه المعروفة، والثّانية: ولادة القلب والرُّوح وخروجهما من مَشِيْمة النّفس وظُلمة الطّبع.
قال: وهذه الولادة لمّا كانت بسبب الرّسول - صلى الله عليه وسلم - كان كالأب للمؤمنين، وقد قرأ أبيُّ بن كعبٍ - رضي الله عنه -: (النّبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبٌ لهم) (4).