«أَخبِراني ما يُبكيكما؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإلّا تباكيتُ» (2).

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يُسلَّم لصاحبه أم لا؟ على قولين (1).
فطائفةٌ قالت: لا يُسلَّم لصاحبه، ويُنكَر عليه لما فيه من التّكلُّف والتّصنُّع المباين لطريق الصّادقين. وبناء هذا الأمر على الصِّدق المحض.
وطائفةٌ قالت: يُسلَّم لصاحبه إذا كان قصدُه استدعاء الحقيقة، لا التّشبُّه بأهلها. واحتجُّوا بقول عمر - رضي الله عنه - وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ يبكيان في شأن أُسارى بدرٍ، وما قبلوا منهم من الفداء:
«أَخبِراني ما يُبكيكما؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإلّا تباكيتُ» (2).
ورووا أثرًا:
«ابْكُوا؛ فإن لم تَبكُوا فتَباكَوْا» (3).
قالوا: والتّكلُّف والتّعمُّل في أوائل السُّلوك والسّير لا بدَّ منه، إذ لا يُطالَب صاحبه بما يُطالَب به صاحب الحال، وتعمُّلُه بنيّة حصول الحقيقة لمن يرصد الوجد لا يُذَمُّ. و «التّواجد» يكون بما يتكلَّفه العبد من حركاتٍ ظاهرةٍ، و «المواجيد» لما يُنازِله من أحكامٍ باطنةٍ.
المرتبة الثّانية: المواجيد، وهي نتائج الأوراد وثَمراتها.
المرتبة الثّالثة: الوجد، وهو ثمرة أعمال القلوب من الحبِّ في الله