
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال (1): (الدّرجة الثّالثة: نارٌ أضرمَها صفوُ المحبّة، فنغَّصَتِ العيشَ، وسَلَبت السُّلوةَ، ولم يُنهنِهْها مَقَرٌّ (2) دون اللِّقاء).
يريد: أنّ الشّوق في هذه المرتبة شبيهُ النّار التي أضرَمَها صفْوُ المحبّة، وهو خالصها. وشَبَّه (3) بالنّار لالتهابه في الأحشاء.
وفي قوله: (صفو المحبّة) إشارةٌ إلى أنّها محبّةٌ لم تكن لأجل المنّة والنِّعم, ولكن محبّةٌ متعلِّقةٌ بالذّات والصِّفات.
قوله: (فنَغَّصتِ العيشَ) , أي منعتْ صاحبَها السُّكونَ إلى لذيذ العيش. والتّنغيص قريبٌ من التّكدير.
وقوله: (وسَلبتِ السُّلوة)، أي نَهَبتِ السُّلوّ وأخذتْه قهرًا. والسُّلوة هي الخلاص من كَرْبِ المحبّة, وإلقاءُ حِمْلِها عن الظّهر, والإعراضُ عن المحبوب تناسيًا.
وقوله: (لم يُنَهنِهْها مَقَرٌّ دون اللِّقاء) , أي لم يَكُفَّها ويردَّها قرارٌ دون لقاء المحبوب. وهذه لا يُقاومها الاصطبار, لأنّه لا يَكُفُّها دون لقاء من يحبُّ قرارٌ.
فصل
وقد يقوى هذا الشّوق، ويتجرّد عن الصّبر, فيُسمّى قَلَقًا. وبذلك سمّاه