
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقوله: (تُنطِق المحدَّثين بنكت الحقائق، مع ترويح الأسرار وكشف الشُّبه).
قد تقدّم في أوّل الكتاب (1) ذكرُ مرتبة المحدَّث، وأنّ هذا التّحديث من مراتب الهداية العشرة، وأنّ المحدَّث هو الذي يُحدَّث في سِرِّه بالشّيء، فيكون كما يُحدَّث به. والحقائق هي حقائق الإيمان والسُّلوك، ونُكَتُها عيونها ومواضع الإشارات منها. ولا ريبَ أنّ تلك تُوجب للأسرار رُوحًا ورَوْحًا تحيا بها وتتنعّم، وتكشِف عنها شُبهاتٍ لا يكشِفها المتكلِّمون ولا الأصوليُّون، فتسكُن الأرواح والقلوب إليها، ولذا سُمِّيت سكينةً. ومن لم يَفُزْ (2) من الله بذلك لم تنكشف عنه شبهاته، فإنّها لا يكشِفها إلّا سكينةُ الإيمان واليقين (3).
فصل
قال (4): (السّكينة الثّالثة: هي التي أُنزِلت في قلب النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقلوب المؤمنين. وهي شيءٌ يجمع نورًا وقوّةً وروحًا، يَسكُن إليه الخائف، ويتسلّى به الحزين والضَّجِر، ويستكين (5) إليه العصيُّ والجريء والأبيُّ).
هذا من عيون كلامه وغُرَره الذي تُثنَى عليه الخناصر، وتُعقَد عليه القلوب، ونطقُه به عن ذوقٍ تامٍّ، لا عن علمٍ مجرّدٍ.