
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (1): (الفراسة: استئناسُ حكمِ غيبٍ).
والاستئناس: استفعالٌ من آنستُ كذا، إذا رأيتَه. فإن أدركتَ بهذا الاستئناس حكمَ غيبٍ كان فراسةً. وإن كان بالعين كان رؤيةً، وإن كان بغيرها من المدارك فبحسَبِها.
قوله (2): (من غيرِ استدلالٍ بشاهدٍ).
الاستدلال بالشّاهد على الغائب أمرٌ مشتركٌ بين البرِّ والفاجر، والمؤمن والكافر، كالاستدلال بالبروق والرُّعود على الأمطار، وكاستدلال رؤساء البحر بالكَدَر الذي يبدو لهم في جانب الأفق على ريحٍ عاصفٍ ونحو ذلك، وكاستدلال الطّبيب بالسَّحْنَة (3) والتَّفْسِرة (4) على حال المريض، ويَدِقُّ ذلك حتّى يبلغ إلى حدٍّ يَعجِز عنه أكثرُ الأذهان. وكما يُستدلُّ بسيرة الرّجل وسيره على عاقبة أمره في الدُّنيا من خيرٍ أو شرٍّ، فيطابق أو يكاد.
فهذا خارجٌ عن الفراسة التي تتكلّم فيها هذه الطّائفة. وهو نوعُ فراسةٍ لكنّها غير فراستهم، وكذلك ما عُلِم بالتّجربة من مسائل الطِّبِّ والصِّناعات والفلاحة وغيرها.