{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل ومن منازل
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
: منزلة الفراسة. قال الله تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75].
قال مجاهدٌ - رحمه الله -: للمتفرِّسين. وقال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: للنّاظرين. وقال قتادة: للمعتبرين. وقال مقاتلٌ: للمتفكِّرين (1). ولا تَنافِيَ بين هذه الأقوال، فإنّ النّاظر متى نظر في آثار ديار المكذِّبين ومنازلهم وما آل إليه أمرهم= أورثه فراسةً وعبرةً وفكرةً. وقال تعالى في حقِّ المنافقين:
{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30].
فالأوّل: فراسة النّظر والعين. والثّاني: فراسة الأذن والسّمع. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: علَّق معرفته إيّاهم بالنّظر على المشيئة، ولم يُعلِّق تعريفهم بلحن خطابهم على شرطٍ، بل أخبر به خبرًا مؤكّدًا بالقسم، فقال:
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}
، وهو تعريض الخطاب وفحوى الكلام ومغزاه. واللّحن ضربان: صوابٌ وخطأٌ. فلحن الصّواب نوعان: أحدهما: الفطنة. ومنه: «ولعلّ بعضهم أن يكون ألحنَ بحجّته من بعضٍ» (2).