«فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، فبي يسمع، وبي يُبصِر» (3).

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قوله: (إسناده وجوده).
يعني: أنّ طريق هذا العلم هو وجدانه، كما أنّ طريق غيره هو الإسناد.
(وإدراكُه عيانه). أي أنّ هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط، وإنّما يُؤخذ عيانًا وشهودًا.
(ونعتُه حكمه). يعني: أنّ نعوته لا يُوصل إليها إلّا به، فهي قاصرةٌ عنه، يعني أنّ شاهده منه، ودليله وجوده، وإنِّيتُه لِمِّيّته. فبرهان الإنِّ فيه هو برهان اللّمِّ، فهو الدّليل وهو المدلول. ولذاك لم يكن بينه وبين الغيب حجابٌ. بخلاف ما دونه من العلوم، فإنّ بينه وبين العلوم (1) حجابٌ (2).
والّذي يشير إليه القوم: هو نورٌ من جناب المشهود يمحو قوى الحواسِّ وأحكامها، ويقوم لصاحبها مقامها، فيرى المشهود بنوره، ويفنى ما سواه بظهوره. وهذا عندهم معنى الأثر الإلهيِّ:
«فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، فبي يسمع، وبي يُبصِر» (3).
والعلم اللّدنيُّ الرّحمانيُّ هو ثمرة هذه الموافقةِ والمحبّة التي أوجبها التّقرُّب بالنّوافل بعد الفرائض. واللّدنِّيُّ الشّيطانيُّ ثمرة الإعراض عن الوحي وتحكيمِ الهوى. والله المستعان (4).
* * * *