
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثمّ قال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، يعني إذا تَسَفَّهَ (1) عليك الجاهلُ فلا تُقابِلْه بالسَّفه، كقوله: {خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} [الفرقان: 63]. وعلى هذا فليست بمنسوخةٍ، بل يُعرِض عنه مع إقامة حقِّ الله عليه، ولا ينتقم لنفسه.
وهكذا كان خُلقه - صلى الله عليه وسلم -. قال أنسٌ - رضي الله عنه -: «كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ النّاس خُلُقًا» (2). وقال: «ما مَسِسْتُ ديباجًا ولا حريرًا ألينَ من كفِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شَمِمْتُ رائحةً قطُّ أطيبَ من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد خَدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، فما قال لي أفٍّ قطُّ، ولا قال لشيءٍ فعلتُه: لِمَ فعلتَه (3)؟ ولا لشيءٍ لم أفعلْه: ألا فعلتَ كذا؟». متّفقٌ عليهما (4).
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ البرَّ هو (5) حسنُ الخلق، ففي «صحيح مسلمٍ» (6) عن النَّوّاس بن سَمْعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البرِّ والإثم؟ فقال: «البرُّ حسنُ الخلق، والإثمُ ما حاكَ في صدرك، وكرهتَ أن يطّلعَ عليه النّاسُ». فقابلَ البرَّ بالإثم، وأخبر أنّ البرّ حسنُ الخُلق، والإثم حَوَازُّ (7)