{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
: منزلة الغنى العالي.
وهو نوعان: غنًى بالله، وغنًى عن غير الله، وهما حقيقة الفقر. ولكنّ أرباب الطّريق أفردوا للغنى منزلةً.
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (1): (باب الغنى. قال الله تعالى: {
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]
).
وفي الآية ثلاثة أقوالٍ (2):
أحدها: أنّه أغناه من المال بعد فقره. وهذا قول أكثر المفسِّرين. لأنّه قابله بقوله: «عائلًا»، والعائل هو المحتاج، ليس ذا العَيْلة، فأغناه.
والثّاني: أنّه رضَّاه بما أعطاه، وأغناه به عن سواه. فهو (3) غنى قلبٍ ونفسٍ، لا غنى مالٍ. وهو حقيقة الغنى.
والثّالث وهو الصّحيح: أنّه يعمُّ نوعَي الغنى؛ فأغنى قلبَه وأغناه من المال.
ثمّ قال (4): (الغنى اسمٌ للملك التّامِّ).
يعني: أن من كان مالكًا من وجهٍ دون وجهٍ فليس بغنيٍّ، وعلى هذا فلا يستحقُّ اسم الغنيّ بالحقيقة إلّا الله، وكلُّ ما سواه فقيرٌ إليه بالذّات.