
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولزوم المسامرة: لزوم مناجاة القلب لربِّه: تملُّقًا تارةً، وتضرُّعًا تارةً، وثناءً تارةً، واستعطافًا تارةً، وغير ذلك من أنواع المناجاة بالسِّرِّ والقلب. وهذه شأن كلِّ محبٍّ وحبيبه، كما قيل (1):
إذا ما خَلَونا والرّقيبُ بمجلسٍ ... فنحن سُكوتٌ والهوى يتكلَّمُ
فصل
قال (2): (الدّرجة الثّالثة: الذِّكر الحقيقيُّ. وهو شهود ذكر الحقِّ إيّاك، والتّخلُّص من شهود ذكرك، ومعرفة افتراء الذّاكر في بقائه مع الذِّكر).
إنّما سمِّي هذا الذِّكر في هذه الدّرجة حقيقيًّا لأنّه منسوبٌ إلى الرّبِّ تعالى، وأمّا نسبة الذِّكر للعبد (3) فليست حقيقيّةً. فذكرُ الله لعبده هو الذِّكر الحقيقيُّ، وهو شهود ذكرِ الحقِّ عبدَه، وأنّه ذكَره فيمن اختصَّه وأهّله للقرب منه ولذكرِه، فجعله ذاكرًا له، ففي الحقيقة هو الذّاكر لنفسه بأن جعل عبده ذاكرًا له وأهّله لذكره. وهذا المعنى هو الذي أشار إليه في باب التّوحيد بقوله (4):
توحيدُه إيّاه توحيدُه ... ونَعْتُ من يَنعتُه لاحِدُ