
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثمّ ذكر الشّيخ - رحمه الله - ما يُستطاع به هذا الإيثار العظيم الشّأن، فقال (1): (ويُستطاع هذا بثلاثة أشياء: بطَلَبِ العَود (2)، وحُسْنِ الإسلام، وقوّةِ الصّبر).
من المعلوم: أنّ المُؤثِر لرضا الله متصدٍّ لمعاداة الخلق وأذاهم وسعيِهم في إتلافه ولا بدَّ، هذه سنّة الله في خلقه. وإلّا فما ذنبُ الأنبياء والرُّسل، والّذين يأمرون بالقسط من النّاس، والقائمين بدين الله، الذّابِّين عن كتابه وسنّة رسوله عندهم؟
فمن آثر رضا الله فلا بدّ أن يُعادِيَه رُذالةُ العالَم وسَقَطُهم (3)، وغَرَثُهم (4) وجُهَّالُهم، وأهل البدع والفجور منهم، وأهلُ الرِّياسات الباطلة، وكلُّ من يخالف هدْيُه هدْيَه. فما يُقدِم على معاداة هؤلاء إلّا طالبٌ للرجوع إلى الله، عاملٌ على سماع خطاب {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27 - 28]، ومَن إسلامه صلبٌ كاملٌ لا تُزعزِعه الرِّجال، ولا تُلَقْلِقُه (5) الجبال، ومَن عقدُ عزيمةِ صبره مُحكمٌ لا تَحُلُّه المِحَنُ والشّدائد والمخاوف.