{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210 - 211]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آية الشُّعراء:
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210 - 211]
، وإنّما تناله الأرواح المطهّرة، وهم الملائكة. ومنها: أنّ هذه نظير الآية التي في سورة عبس:
{فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 - 16].
قال مالكٌ - رضي الله عنه - في «موطّئه» (1): أحسنُ ما سمعتُ في تفسير قوله:
{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}
أنّها مثل هذه الآية التي في سورة عبس. ومنها: أنّ الآية مكِّيّةٌ في سورةٍ مكِّيّةٍ، تتضمّن تقرير التّوحيد والنُّبوّة والمعاد وإثبات الصّانع والرّدّ على الكفّار. وهذا المعنى أليقُ بالمقصود من فرعٍ عمليٍّ، وهو حكم مسِّ المحدِث المصحفَ. ومنها: أنّه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي النّاس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير (2) فائدةٍ، إذ من المعلوم أنّ كلّ كلامٍ فهو قابلٌ لأن يكون في كتابٍ حقًّا أو باطلًا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنّه في كتابٍ مصونٍ، مستورٍ عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطانٌ ولا ينال منه، ولا يمسُّه إلّا الأرواح الطّاهرة الزّكيّة. فهذا المعنى أليقُ وأجلُّ وأخلَقُ بالآية وأولى بلا شكٍّ. فسمعتُ شيخ الإسلام يقول: لكن تدلُّ الآية بإشارتها على أنّه لا يمسُّ المصحفَ إلّا طاهرٌ، لأنّه إذا كانت تلك الصُّحف لا يمسُّها إلّا المطهَّرون،