{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
: منزلة الأنس بالله.
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (1): (وهو روحُ القُرب). ولهذا صدَّر منزلته بقوله تعالى:
{(185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
فاستحضارُ القلب هذا البرَّ واللُّطف والإحسانَ يُوجِب قربَه من الرّبِّ تعالى، وقربُه منه يوجب له الأنسَ، والأنسُ ثمرة الطّاعة والمحبّة. فكلُّ مطيعٍ مستأنسٌ، وكلُّ عاصٍ مستوحشٌ، كما قيل (2):
فإن كنتَ قد أوحشَتْك الذُّنوب ... فدَعْها إذا شئتَ واستأنس
والقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبّة.
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (3): (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: الأنس بالشّواهد، وهو استحلاء (4) الذِّكر، والتّغذِّي بالسّماع، والوقوف على الإشارات).
هذه اللّفظة يُجرونَها (5) في كلامهم ــ أعني لفظة «الشّواهد» ــ ومرادهم