{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل ومن منازل
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
: منزلة اليقين. وهو من الإيمان بمنزلة الرُّوح من الجسد، وفيه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شَمَّر العاملون، وعملُ القوم إنّما كان عليه، وإشارتهم كلُّها إليه. وإذا تزوّج الصّبرُ باليقين وُلِد بينهما حصولُ الإمامة في الدِّين. قال تعالى وبقوله يهتدي المؤمنون:
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
وخصّ سبحانه أهلَ اليقين بانتفاعهم بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين:
{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20].
وخصّ أهلَ اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين (1)، فقال:
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 4 - 5].
وأخبر عن أهل النّار بأنّهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال:
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقيّة، وهو قطبُ رَحَا هذا الشّأن الذي عليه مداره.