
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
حدٍّ يأمن معه العقوبة، فإنّه لا يأمنُ مكرَ الله إلّا القوم الخاسرون. وهذا انحرافٌ في الطّرف الآخر.
بل حدُّ الرّجاء: ما طيَّبَ لك العبادة، وحملَك على السّير. فهو بمنزلة الرِّياح
التي تُسيِّر السّفينة، فإذا انقطعت وقفت (1) السّفينة، وإذا زادتْ ألقتْها إلى المهالك، وإذا كانت بقدرٍ أوصلَتْ إلى البُغْية.
وأمّا (ضبط السُّرور أن يخرج إلى مشابهة الجرأة): فلا يقدر عليه إلّا الأقوياء أرباب العزائم، الذين لا تَستفِزُّهم السَّرّاء فتغلب شكْرَهم، ولا تُضعِفهم الضّرّاء فتغلب صبْرَهم، كما قيل (2): لا تَغلِبُ السَّرّاءُ منهم شُكْرَهم ... كلّا ولا الضَّرّاء صبْرَ الصّابر والنّفس قرينة الشّيطان ومُصاحِبته، وتُشبِهه في صفاته. ومواهبُ الرّبِّ تبارك وتعالى تَنزِل على القلب والرُّوح، والنّفس تَسترِقُ السّمعَ، فإذا نزلت على القلب تلك المواهب وَثَبَتْ لتأخذ قِسْطَها منها، وتُصيِّره من عُدَّتها وحواصلها. فالمسترسلُ معها الجاهلُ بها يدَعُها تستوفي ذلك، فبينا هو موهبةٌ للقلب والرُّوح وعدّةٌ وقوّةٌ له، إذ صار ذلك كلُّه من حاصل النّفس وآلتها وعُدَدِها، فصالتْ به وطَغَتْ، لأنّها رأتْ غِناها به. والإنسان يَطغى أن رآه استغنى بالمال، فكيف بما هو أعظمُ خَطَرًا وأجلُّ قدرًا من المال، بما لا نسبة بينهما: من علمٍ أو حالٍ أو معرفةٍ أو كشفٍ؟ فإذا صار ذلك من حاصلِها انحرفَ العبد به ولا بدَّ إلى طرفٍ مذمومٍ: من جُرأةٍ أو شَطْحٍ أو إدلالٍ ونحو ذلك