
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإضاعة الأدب بالجفاء: كمن لم يُكمِل أعضاء الوضوء، ولم يُوفِّ الصّلاةَ آدابَها التي سَنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعَلَها، وهي قريبٌ من مائة أدبٍ ما بين واجبٍ ومستحبٍّ.
وإضاعته بالغلوِّ: كالوسوسة في عقد النِّيّة، ورفع الصّوت بها، والجهر بالأذكار والدّعوات التي شُرِعت سرًّا، وتطويل ما السُّنّة تخفيفُه وحَذْفه: كالتّشهُّد الأوّل والسّلام الذي حذفه سنّةٌ، وزيادة التّطويل على ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا على ما يظنُّه سُرَّاق الصّلاة والنَّقَّارون لها ويشتهونه، فإنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليأمر بأمرٍ ويخالفه، وقد صانه الله من ذلك. وكان يأمرهم بالتّخفيف ويؤمُّهم بالصّافّات (1)، ويأمرهم بالتّخفيف وتُقام صلاة الظُّهر فيذهب الذّاهب إلى البقيع، فيقضي حاجتَه ويأتي أهله ويتوضّأ، ويدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرّكعة الأولى (2). فهذا هو التّخفيف الذي أمر به، لا نَقْر الصّلاة وسرقتُها، ذاك اختصارٌ بل اقتصارٌ على ما يقع عليه الاسم ويُسمَّى به مصلِّيًا، وهو كأكل المضطرِّ في المَخْمصة ما يَسُدُّ به رَمَقَه، فليتَه شَبِعَ على القول الآخر، وهو كجائعٍ قُدِّم إليه طعامٌ لذيذٌ جدًّا، فأكل منه لقمةً أو لقمتين، فماذا تُغنِيان عنه؟ ولكن لو أحسّ بجوعه لما قام عن الطّعام حتّى يَشْبَع منه وهو يقدر على ذلك، لكنّ القلب شَبْعانُ من شيءٍ آخر.
ومثال هذا التّوسُّط في حقِّ الأنبياء عليهم السّلام: أن لا يغلُوَ فيهم كما