مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ومجاذبته، فلا يفعل، ويَدَعُه وأثرتَه طوعًا، فهذا حسنٌ. وإن لم يقدر على ذلك كانت أثرةَ كَرْهٍ.
ويعني بالصِّحّة: الوجود، أي تُوجد كَرْهًا. ولكن إنّما تَحسُن إذا كانت طَوعًا من المستأثر عليه.
فحقيقة الإيثار بذلُ صاحبِه وإعطاؤه. والأثرة استبداده هو بالمُؤْثَر به، فيتركه وما استبدَّ به: إمّا طوعًا وإمّا كَرهًا. فكأنّك آثرتَه باستئثاره، حيث خلَّيتَ بينه وبينه ولم تُنازِعه.
قال عُبادة بن الصّامت - رضي الله عنه -: بايعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على السّمع والطّاعة، في عُسرنا ويُسرنا، ومَنْشَطِنا ومَكْرهِنا، وأَثَرةٍ علينا، وأن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه (1). فالسّمع والطّاعة في العسر واليسر والمَنْشط والمَكْره لهم معه ومع الأئمّة بعده، والأَثَرة وعدمُ منازعة الأمر مع الأئمّة بعده خاصّةً، فإنّه لم يستأثر عليهم - صلى الله عليه وسلم -.
فصل
قال (2): (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: أن تُؤثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يَخْرِم (3) عليك دينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسِد عليك وقتًا).
يعني: أن تُقدِّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تُطعِمهم وتجوع،