مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقت غنيمةٍ، وللسَّير ذلك الوقت عند السالكين مزيّة عظيمة، حتّى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتّى تطلُع الشَّمس، فإنَّه أوَّل النَّهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق وحصول القِسَم وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصَّة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطرِّ.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف اللَّيل الأوَّل وسدسه الأخير (1)، وهو مقدار ثمان ساعاتٍ، وهذا أعدل النوم عند الأطبَّاء، فما زاد عليه أو نقص منه أثَّر عندهم في الطبيعة انحرافًا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضًا: النومُ أوَّلَ الليلِ عقيبَ غروب الشمس حتَّى تذهب فحمة العشاء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهه (2)، فهو مكروهٌ شرعًا وطبعًا.
وكما أنَّ كثرة النوم مُورثةٌ لهذه الآفات، فمدافعته وهَجره (3) مورثٌ لآفاتٍ أخرى عظامٍ من سوء المزاج ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المُعِينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضًا متلفةً لا ينتفع