
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليمُ
فالعمى عن عيب الواعظ من شروط تمام الانتفاع بموعظته.
وأمَّا (تذكُّر الوعد والوعيد) فإنَّ ذلك يوجب خشيته والحذر منه، ولا تنفع الموعظة إلا لمن آمن به وخافه ورجاه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} [هود: 103]، وقال: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: 10]، وقال: {(41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ (1)} [النازعات: 42 - 45]. وأصرح من ذلك قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].
فالإيمان بالوعد والوعيد وذكره شرطُ الانتفاع بالعظات والآيات والعبر، يستحيل حصوله بدونه.
قال (2): (وإنما تُستبصر العبرة بثلاثة أشياء: بحياة العقل، ومعرفة الأيّام، والسلامة من الأغراض).
وإنّما تتميَّز (3) العبرةُ وتُرى وتتحقَّق بحياة العقل، والعبرة هي الاعتبار، وحقيقتها العبور من حكم الشَّيء إلى حكم مثله، فإذا رأى من قد أصابته محنةٌ وبلاءٌ لسببٍ ارتكبه، علم أنَّ حكم مَن ارتكب ذلك السبب كحكمه.