
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال (1): (وإنَّما ينتفع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء: شدَّة الافتقار إليها، والعمى عن عيب الواعظ، وتذكُّر الوعد والوعيد).
إنّما يشتدُّ افتقار العبد إلى العِظة ــ وهي الترغيب والترهيب ــ إذا ضَعُف تذكُّره وإنابته، وإلّا فمتى قويت إنابته وتذكُّره لم تشتدَّ حاجته إلى الترغيب والترهيب، ولكن الحاجة منه شديدة إلى معرفة الأمر والنهي.
والعظة يراد بها أمران: الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، ونفس الرغبة والرهبة. فالمنيب المتذكِّر شديد الحاجة إلى الأمر والنهي، والمُعرض الغافل شديد الحاجة إلى الترغيب والترهيب، والمعارض المنكر (2) شديد الحاجة إلى المجادلة؛ فجاءت هذه الثلاثة في حقِّ هؤلاء الثلاثة في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وأطلق الحكمة ولم يقيِّدها بوصف الحسنة، إذ كلُّها حسنة ووَصْف الحسن لها ذاتيٌّ. وأمَّا الموعظة فقيَّدها بوصف الإحسان، إذ ليس كلُّ موعظةٍ حسنةً. وكذلك الجدال قد يكون بالتي هي أحسن، وقد يكون بغير ذلك. وهذا يحتمل أن يرجع إلى حال المجادِل من غلظته ولينه وحدَّته ورفقه، فيكون مأمورًا بمجادلتهم بالحال التي هي أحسن؛ وأن يكون صفةً لما يجادَل به من الحجج والبراهين والكلمات التي هي أحسن شيءٍ وأبينُه،