
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6]، وكلُّ مؤمنٍ يرى هذا، ولكنّ رؤية أهل العلم لونٌ، ورؤية غيرهم له لونٌ.
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (1): (أبنية التذكُّر ثلاثة: الانتفاع بالعظة، والاستبصار للعبرة، والظّفر بثمرة الفكرة).
الانتفاع بالعظة: هو أن يقدح في القلب قادح الخوف والرجاء، فيتحرَّك للعمل طلبًا للخلاص من المخوف، ورغبةً في حصول المرجوِّ.
والعظة هي الأمر والنَّهي المقرون بالترغيب والترهيب.
والعظة نوعان: عظةٌ بالمسموع، وعظةٌ بالمشهود. فالعظة بالمسموع الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرُّشد والنصائح التي جاءت على يد (2) الرُّسل، وكذلك الانتفاع بالعظة من كلِّ ناصحٍ ومرشدٍ في مصالح الدِّين والدُّنيا. والعظة بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالم من مواقع العِبَر وأحكام القدر ومجاريه، وما يشاهده من آيات الله الدالَّة على صدق رسله.
وأمَّا (الاستبصار للعبرة)، فهو زيادة البصيرة عمَّا كانت عليه في منزل التفكُّر بقوَّة الاستحضار، لأنَّ التذكُّر يَصْقُل المعاني التي حصلت بالتّفكُّر في مواقع الآيات والعبر، فهو يظفر بها بالتفكُّر، وتنصقل له وتنجلي بالتذكُّر،