
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وزيِّه وقيده وإشارته ــ ولو إلى أفضل منه ــ استهجن ذلك، ورآه نقصًا، وسقوطًا من أعين النَّاس، وانحطاطًا لرتبته عندهم (1).
وهذا شأن الكذَّاب (2) العامل على عمارة نفسه ومرتبته (3). ولو كان عاملًا على مراد الله منه، وعلى الصِّدق مع الله= لأثقلته تلك القيود، وحبسته تلك الرُّسوم، ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه (4).
فكلام أبي القاسم الجنيد - رحمه الله - حقٌّ، كلامُ راسخٍ في الصِّدق، عالمٍ بتفاصيله وآفاته ومواضع اشتباهه بالكذب.
وأيضًا: فحمل الصِّدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلَّا أصحاب العزائم، فهم يتقلَّبون تحته تقلُّب الحامل بحمله الثقيل. والرِّياء والكذب خفيفٌ كالرِّيشة لا يجد له صاحبه (5) ثقلًا البتَّة، فهو حاملٌ له في أيِّ موضعٍ اتَّفق، بلا تعبٍ ولا كلفةٍ ولا مشقَّة، ولا يتقلَّب تحت حمله ولا يجد ثقله.
وقال بعضهم: لم يَشَمَّ روائح الصِّدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره (6).