مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
شخصٍ، أو إغنائه، أو قضاء حاجته. فهذا ينافي الرِّضا، لأنَّه ليس على يقينٍ أنَّ مرضاة الربِّ في ذلك.
فإن قيل: فقد يكون للعبد حاجةٌ يباح له سؤالها، فيلحُّ على ربِّه في طلبها حتَّى يُفتَح له من لذيذ مناجاته وسؤاله، والذُّلِّ بين يديه وتملُّقِه، والتوسُّلِ إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وتفريغ القلب له، وعدم تعلُّقه في حاجته بغيره= ما لم يحصل له بدون الإلحاح، فهل يكره له هذا الإلحاح وإن كان المطلوب حظًّا من حظوظه؟
قيل: هاهنا ثلاثة أمورٍ:
أحدها: أن يفنى بمطلوبه وحاجته عن مراد ربِّه ورضاه منه، ويجعل الربَّ تعالى وسيلةً إلى مطلوبه، بحيث يكون أهمَّ إليه منه. فهذا ينافي كمال الرِّضا به وعنه.
الثّاني: أن يُفتَح على قلبه حالَ السُّؤال مِن معرفته ومحبَّته والذُّلِّ له والخضوع والتّملُّق ما ينسيه حاجته، ويكون ما فُتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته بحيث يحبُّ أن تدوم له تلك الحال، وتكون آثر عنده من حاجته، وفرحُه بها أعظم من فرحه بحاجته لو عجِّلت له وفاته ذلك. فهذا لا ينافي رضاه.
قال بعض العارفين: إنَّه لتكون لي الحاجة إلى الله، فأسأله إيَّاها، فيفتح عليَّ من مناجاته ومعرفته والتذلُّل له والتملُّق بين يديه ما أُحبُّ معه أن يؤخِّر قضاءها، وتدوم لي تلك الحال.
وفي أثرٍ: «إنَّ العبد ليدعو ربَّه، فيقول الله لملائكته: اقضوا حاجةَ عبدي