
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والإلحاح ينافي حال الرِّضا ووصفه. وقد أثنى سبحانه على الذين لا يسألون النّاس (1)، فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسِبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273].
فقالت طائفةٌ: يسألون الناس ما تدعو حاجتهم إلى سؤاله، ولكن لا يُلْحِفون، فنفى الله عنهم سؤالَ الإلحافِ لا مطلقَ السُّؤال. قال ابن عبَّاس: إذا كان عنده غداءٌ لم (2) يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاء لم يسأل غداء (3).
وقالت طائفة منهم الزجَّاج والفرَّاء وغيرهما: بل الآية اقتضت ترك السُّؤال مطلقًا، لأنّهم وُصفوا بالتعفُّف والمعرفة بسيماهم دون الإفصاح بالمسألة، لأنَّهم لو أفصحوا بالسُّؤال لم يحسبهم الجاهل أغنياء. ثمَّ اختلفوا في وجه قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}:
فقال الزجَّاج (4): لا يكون منهم سؤالٌ فيقعَ إلحاف. كما قال تعالى: