
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قولَ القائل (1):
إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
كما ذُكر أنَّ الأصمعي اجتمع بالخليل وحرص على فهم العروض، فأعياه ذلك، فقال له الخليل يومًا: قطِّع لي هذا البيت، وأنشده: إذا لم تستطع ... البيت، ففهم ما أراده، فأمسك عنه ولم يشتغل به (2).
وسرُّ المسألة: أن الرِّضا بالله يستلزم الرِّضا بصفاته وأفعاله وأسمائه وأحكامه، ولا يستلزم الرِّضا بمفعولاته كلِّها. بل حقيقة العبوديَّة أن يوافقه عبده في رضاه وسخطه، فيرضى منها بما رضي به ويسخط منها ما سخطه.
فإن قيل: هو سبحانه يرضى عقوبة من يستحقُّ العقوبة، فكيف يمكن العبد أن يرضى بعقوبته له؟
قيل: لو وافقه في رضاه بعقوبته لانقلبت لذَّةً وسرورًا، ولكن لا يقع منه ذلك. فإنَّه لم يوافقه في محبَّةِ طاعته (3) التي هي سرور النفس وقرَّة العين وحياة القلب، فكيف يوافقه في محبَّة العقوبة التي هي أكره شيءٍ إليه وأشقُّ شيءٍ (4) عليه؟! بل كان كارهًا لِما يحبُّه من طاعته وتوحيده، فلا يكون راضيًا