
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كما ظهرت (1) قدرته التامَّة في خلق الليل والنهار، والضِّياء والظلام، والدَّاء والدَّواء، والحياة والموت، والحرِّ والبرد، والحسن والقبيح، والأرض والسماء، والماء والنار، والخير والشرِّ. وذلك من أدلِّ الدلائل على كمال قدرته وعزَّته وملكه وسلطانه، فإنَّه خلق هذه المتضادَّات وقابَلَ بعضها ببعضٍ وسلَّط بعضها على بعض، وجعلها محالَّ تصرُّفه وتدبيره وحكمته، فخلوُّ الوجود عن بعضها بالكليَّة تعطيلٌ لحكمته وكمالِ تصرُّفه وتدبير مملكته.
ومنها: ظهور آثار أسمائه القهريَّة، مثل القهَّار، والمنتقم، والعدل، والضارِّ، وشديد العقاب، وسريع العقاب (2)، وذي البطش الشديد، والخافض، والمذلِّ. فإنَّ هذه الأسماء والأفعال كمالٌ، فلا بدَّ من وجود متعلِّقها. ولو كان الخلق كلُّهم على طبيعة المَلَك لم يظهر أثر هذه الأسماء والأفعال.
ومنها: ظهور آثار أسمائه المتضمِّنة لحلمه وعفوه، ومغفرته وستره، وتجاوزه عن حقِّه، وعتقه لمن شاء من عبيده. فلولا خلقُ ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطَّلت هذه الحِكَم والفوائد. وقد أشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا بقوله: «لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» (3).