
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لم يصدر منه خيرٌ، ولا هو من شأنه.
فالخير الذي صدر منها إنَّما هو من الله تعالى وبه، لا من العبد ولا به. كما قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21].
وقال أهل الجنَّة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].
وقال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {(73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا} [الإسراء: 74].
وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].
فكلُّ خيرٍ في العبد فهو مجرّد فضل الله ومنَّته وإحسانه ونعمته، وهو المحمود عليه، فرؤية العبد لأعماله في الحقيقة كرؤيته لصفاته الخَلْقيَّة من سمعه وبصره وإدراكه وقوَّته، بل من صحَّته وسلامة أعضائه، ونحو ذلك؛ فالكلُّ مجرَّد عطاء الله ونعمته وفضله. فالذي يخلِّص العبد من هذه الآفة معرفةُ ربِّه ومعرفة نفسه.
والّذي يخلِّصه من طلب العوض على العمل: علمه بأنَّه عبدٌ محض، والعبد لا يستحقُّ على خدمته لسيِّده عوضًا ولا أجرةً، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديَّته. فما يناله من سيِّده من الأجر والثواب تفضُّلٌ منه وإحسانٌ إليه وإنعامٌ عليه، لا معاوضة؛ إذ الأجرة إنَّما يستحقُّها الحرُّ أو عبد الغير، فأمَّا عبدُه نفسِه فلا.