
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وهو حال الجاهل بربِّه، الذي سمع أنَّ ثمَّ (1) جنةً ونارًا، فليس في قلبه غير إرادة نعيم الجنَّة المخلوقة (2)، لا يخطر بباله سواه البتَّة. بل هذا حال أكثر المتكلِّمين، المنكرين رؤيةَ الله والتلذُّذَ بالنظر إلى وجهه في الآخرة، وسماعَ كلامه وحبَّه، والمنكرين على من يزعم أنّه يحبُّ الله. وهم عبيد الأجرة المحضة، فهؤلاء لا يريدون الله تعالى.
ومنهم من يصرِّح بأنَّ إرادة الله محالٌ. قالوا (3): لأنَّ الإرادة إنَّما تتعلَّق بالحادث، فالقديم لا يراد (4)، فهؤلاء منكرون لإرادة الله غاية الإنكار، وأعلى الإرادة عندهم: إرادة الأكل والشُّرب والنِّكاح واللِّباس في الجنَّة وتوابعِ ذلك.
فهؤلاء في شقٍّ، وأولئك الذين قالوا: لم نعبده طلبًا لجنَّته ولا هربًا من ناره في شقٍّ. وهما طرفا نقيضٍ، بينهما أعظم من بعد المشرقَين. وهؤلاء من أكثف الناس حجابًا، وأغلظهم طباعًا، وأقساهم قلوبًا، وأبعدهم عن روح المحبَّة والتّألُّه، ونعيم الأرواح والقلوب. وهم يكفِّرون أصحاب المحبَّة والشوق إلى الله، والتّلذُّذِ بحبِّه والتصديق بلذَّة النظر إلى وجهه وسماعِ كلامه منه بلا واسطةٍ.
وأولئك لا يعدُّونهم من البشر إلَّا بالصُّورة، ومرتبتهم عندهم قريبةٌ من