
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الإشفاق؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 49]، وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 25 - 27].
الإشفاق رقَّة الخوف، وهو خوفٌ برحمةٍ من الخائف لمن يخاف عليه، فنسبته إلى الخوف نسبة الرَّأفة إلى الرحمة، فإنَّها ألطف الرحمة وأرقُّها.
ولهذا قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (1): (الإشفاق: دوام الحَذَر مقرونًا بالترحُّم، وهو على ثلاث درجاتٍ، الأولى: إشفاق على النفس أن تجمح إلى العناد). أي: تُسرعَ وتذهبَ إلى طريق الهوى والعصيان ومعاندة العبوديَّة.
(وإشفاقٌ على العمل: أن يصير إلى الضياع).
أي: يخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله تعالى فيها: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وهي الأعمال التي كانت لغير الله، وعلى غير أمره وسنَّة رسوله.
ويخاف أيضًا أن يضيع عملُه في المستقبل، إمَّا بتركه، وإمَّا بمعاصٍ (2)