
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بل نقول: لو كانا سواءً لكان اتِّخاذ هذا السّماع قربةً وطاعةً تُستنزَل (1) به المعارف والأذواق والمواجيد وتُحَلُّ به (2) الأحوال= بمنزلة التقرُّب إلى الله بأصوات الطُّيور، ومعاذ الله أن يكونا سواءً.
والذي يفصل النِّزاع في حكم هذه المسألة ثلاثُ قواعدَ مِن أهمِّ قواعد الإيمان والسُّلوك، فمن لم يَبْنِ عليها فبناؤه على شفا جرفٍ هارٍ.
القاعدة الأولى: أنَّ الذوق والحال والوجد: هل هو حاكمٌ أو محكومٌ عليه, فيُحكم عليه (3) بحاكمٍ آخر أو يُتحاكم (4) إليه؟
فهذا منشأ ضلال من ضلَّ من المفسدين لطريق القوم الصَّحيحة، حيث جعلوه حاكمًا، فتحاكموا إليه فيما يسوغ ويمتنع، وفيما هو صحيح وفاسد، وجعلوه محكًّا (5) للحقِّ والباطل، فنبذوا لذلك موجَب العلم والنُّصوص، وحكَّموا عليها الأذواق والأحوال والمواجيد، فعَظُم الأمر وتفاقم الفساد، وطَمَست معالمُ الإيمان والسُّلوك المستقيم، وانعكس السَّير، وكان إلى الله فصيَّروه إلى النُّفوس، فالنَّاس المحجوبون عن أذواقهم يعبدون الله، وهؤلاء يعبدون نفوسهم (6).