مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الفرار. قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50].
وحقيقة الفرار: الهرب من شيءٍ إلى شيءٍ، وهو نوعان: فرار السُّعداء، وفرار الأشقياء. ففرار السُّعداء: الفرار إلى الله تعالى، وفرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه.
وأمّا الفرار منه إليه ففرار أوليائه، قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}: فِرُّوا (1) منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله: فرُّوا ممَّا سوى الله إلى الله. وقال آخرون (2): اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطّاعة.
وقال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (3): (هو الهرب ممَّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجاتٍ: فرار العامَّة من الجهل إلى العلم عقدًا وسعيًا، ومن الكسل إلى التّشمير جدًّا (4) وعزمًا، ومن الضِّيق إلى السّعة ثقةً ورجاءً).
يريد بـ (ما لم يكن): الخلق، وبـ (ما لم يزل): الحقَّ.