مدارج السالكين ج1

مدارج السالكين ج1

10245 14

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 610 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

معهم ومنهم. وغرَّه سرابُ الفناء، فظنّ أنّه لجّةُ بحر المعرفة وغايةُ العارفين، وبالغ في تحقيقه وإثباته» (1/ 227).

ولا يقصد شيخ الإسلام الهروي بالفناء ــ عند ابن القيم ــ «الفناء عن وجود السوى» الذي هو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود، وإنما يشير إلى «الفناء عن شهود السوى» الذي قد ذهب إليه كثير من متأخري الصوفية. وهذا الفناء أحد الأصلين اللذين بنى عليهما الشيخ كتابه منازل السائرين، وجعله الدرجة الثالثة من درجات السالكين في كل باب من أبواب كتابه (1/ 237). وأما الأصل الثاني فهو إنكار العلل والأسباب والحكم. يقول ابن القيم: «والشيخ - رحمه الله - ممَّن يبالغ في إنكار الأسباب، ولا يرى وراء الفناء في توحيد الربوبية غايةً، وكلامه في الدرجة الثالثة في معظم الأبواب يرجع إلى هذين الأصلين ... ومن هاتين القاعدتين عرَضَ في كتابه من الأمور التي أُنكرِت عليه ما عرض» (2/ 192).

ومعظم تعقبات المصنف لصاحب «المنازل» تناولت هذه الأمور التي أشار إليها، وقد أفاض الكلام عليها في مواضع كثيرة. وكانت طريقته ــ إذا رأى في كلام الشيخ مغمزًا ــ أن يحملَه على أحسن ما يمكن حملُه عليه، بل قد يظن القارئ أنه يتكلف بعض الأحيان في التماس وجه سائغ لكلامه إذا رآه مناقضًا للمأثور المشهور من سيرة الشيخ وعقيدته. ونكتفي هنا بذكر نموذجين من تعقبات ابن القيم، وهي كثيرة مستفيضة في الكتاب:

* ذَكَر شيخ الإسلام الهروي من لطائف أسرار التوبة: «اللطيفة الثالثة: أن مشاهدة العبدِ الحكمَ لم تدَعْ له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم» (1/ 355).

الصفحة

57/ 129

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ربِّ يسِّرْ (1)

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.

فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.

وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت

الصفحة

3/ 610

مرحباً بك !
مرحبا بك !