مدارج السالكين ج1

مدارج السالكين ج1

10267 14

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 610 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

يعني حصل له كل ما أمكن له حتى يكون رمحا بالحقيقة».

كلام القاساني مبني كما ترى على شرح التلمساني، غير أنه ربط بين المعنيين.

أما ابن القيم فلم ينقل هنا الآية التي افتتح الهروي بها هذه المنزلة لأنه قد سبق أن استشهد بها في كلامه المستقل على الصدق، بل تكلم على تعريفه للصدق فقال: «الصِّدق هو حصول الشيء وتمامه، وكمال قوَّته واجتماع أجزائه، كما يقال: عزيمةٌ صادقةٌ، إذا كانت قويَّةً تامَّةً، وكذلك: محبَّةٌ صادقةٌ، وإرادةٌ صادقةٌ. وكذلك قولهم: حلاوة صادقة، إذا كانت قويَّةً تامَّةً ثابتة الحقيقة، لم ينقص منها شيء. ومن هذا أيضًا: صدقُ الخبر، لأنَّه وجود المخبَر بتمام حقيقته في ذهن السامع. فالتمام والوجود نوعان: خارجيٌّ وذهنيٌّ، فإذا أخبرت المخاطَب بخبرٍ صادقٍ حصلت له حقيقة المخبَر بكماله وتمامه في ذهنه. ومن هذا: وصفهم الرُّمح بأنّه صَدْق الكعوبِ إذا كانت كعوبه صلبةً قويَّةً ممتلئةً».

هذا الكلام أيضا ناظرٌ إلى شرح التلمساني، ولكن ابن القيم ربط بين المعنيين اللذين ذكرهما التلمساني، واشتقّ المعنى الثاني من المعنى الأول، على العكس مما فعله القاساني. ويلاحظ أن ابن القيم لم يعلّق تعليقًا مباشرًا على كلام الهروي.

(2) ثم ذكر الهروي ثلاث درجات لمنزلة الصدق، فقال: (الدرجة الأولى: صدق القصد، وبه يصح الدخول في هذا الشأن، ويتلافى به كلُّ تفريطٍ، ويتدارك كلُّ فائتٍ، ويعمر كلُّ خرابٍ. وعلامة هذا الصادق: أن لا يحتمل داعيةً تدعو إلى نقض عهدٍ، ولا يصبر على صحبة ضدٍّ، ولا يقعد عن الجدِّ بحال).

الصفحة

46/ 129

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ربِّ يسِّرْ (1)

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.

فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.

وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت

الصفحة

3/ 610

مرحباً بك !
مرحبا بك !