
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولننظر الآن في فقرات من كلام الهروي على هذه المنزلة كيف فسِّرت في الشروح المذكورة، ثم كيف تكلم عليها ابن القيم.
(1) استهل الهروي منزلة الصدق بقول الله عز وجل: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا} [محمد: 21] ثم عرَّف الصدق بقوله: (الصدق اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولًا ووجودًا).
تعريف الهروي هذا نقَده عبدُ المعطي الإسكندري فقال: «قلت: وهذا الحد في الصدق يحتاج إلى بيان وتحقيق، فإن الصدق ليس هو اسمًا لحقيقة الشيء الموجود الحاصل حتى يكون كل موجود حاصل يسمى صدقًا، بل الصحيح أن الصدق حالة في العبد حاملة على إيقاع الفعل على وجهه مع الجد وعدم الفتور. فإن كانت في اللسان أو في القلب الذي ترجم عنه اللسان كان إخبارًا عن الشيء على ما هو عليه من غير زيادة ونقصان. وإن كان الصدق في النية أو في الأفعال كان إيقاعها مع المبادرة على وجهها المعروف شرعًا من غير إخلال. قال الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الآية [الأحزاب: 23]».
وقال الفركاوي في شرحه: «الصدق حالة في العبد حاملة على إيقاع الفعل على وجهه مع الجد وعدم الفتور. وفي اللسان إخبار عما في القلب، وهو الإخبار عن الشيء على ما هو عليه. ويكون في النية والأفعال».
هذا الكلام كما ترى مأخوذ من شرح الإسكندري وتلخيص لكلامه، مع أنه زعم أنه لم يستفد في شرحه من كتب أخرى.
ثم أضاف قائلا: «وقيل: الصدق: شدة وصلابة في الدين. والعزة لله من
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت