
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هو الغَيبة عن شهود السِّوى، ولم يُرِد محْوَ السِّوى في الخارج». وبعد هذا الدفاع يختم كلامه بقوله: «ويا ليتَه لا صنَّف ذلك، فما أحلى تصوفَ الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله وذَلُّوا له وتوكَّلُوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صِراط مستقيم» (1).
ومما انتُقِد عليه شرحه للتوحيد في آخر الكتاب، والأبيات الثلاثة التي ختم بها كتابه وهي من نظمه (2):
ما وحَّد الواحدَ من واحدٍ ... إذْ كلُّ مَن وحَّده جاحِدُ
توحيدُ مَن ينطق عن نعتِه ... عاريةٌ أبطَلها الواحدُ
توحيدُه إيَّاه توحيدُه ... ونعْتُ من ينعتُه لاحِدُ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد ذكر في كتابه «منازل السائرين» أشياء حسنة نافعة وأشياء باطلة، ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية، ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الاتحاد». ثم نقل كلام الهروي في باب التوحيد، وانتقده بتفصيل (3).
وذكر في موضع آخر أنه ليس في كلامه شيء من الحلول العام، لكن في
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت